فصل: (وَهَبُ صُوفًا عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(وَهَبُ صُوفًا عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ):

وَهَبُ صُوفًا عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ أَوْ اللَّبَنَ في الضُّرُوعِ أَوْ الثَّمَرَ في رُءُوسِ النَّخْلِ:
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ صُوفًا عَلَى ظُهُورِ غَنَمِي، أَيَجُوزُ؟ أَوْ لَبَنًا في ضُرُوعِهَا أَيَجُوزُ؟ أَوْ ثَمَرًا في رُءُوسِ النَّخْلِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
ذَلِكَ جَائِزٌ كُلُّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: وَكَيْفَ يَكُونُ قَبْضُهُ اللَّبَنَ في الضُّرُوعِ وَالصُّوفَ عَلَى الظُّهُورِ أَوْ الثَّمَرَ في رُءُوسِ النَّخْلِ؟
قَالَ: إنْ حَازَ الْمَاشِيَةَ لِيَجُزَّ أَصْوَافَهَا أَوْ لِيَحْلُبَهَا أَوْ حَازَ النَّخْلَ حَتَّى يَصْرِمَهَا فَهَذَا قَبْضٌ.
قُلْت: وَعَلَى مَا قُلْته مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلِمَ جَعَلْته قَبْضًا وَهُوَ لَمْ يَبْنِ بِمَا وَهَبَ لَهُ وَلَمْ يَتَخَلَّصْهُ مِنْ مَالِ الْوَاهِبِ؟
قَالَ: قُلْته عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، إنَّ الرَّجُلَ إذَا ارْتَهَنَ الثَّمَرَةَ في رُءُوسِ النَّخْلِ فَحَازَ الْحَائِطَ إنَّ ذَلِكَ قَبْضٌ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
وَالرَّهْنُ في قَوْلِ مَالِكٍ، لَا يَكُونُ إلَّا مَقْبُوضًا، فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يَرْتَهِنُ الزَّرْعَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَبَضَ، وَقَبْضُهُ أَنْ تُسَلَّمَ إلَيْهِ الْأَرْضُ، فَإِذَا حَازَ الْأَرْضَ الَّتِي فيهَا الزَّرْعُ فَقَدْ قَبَضَ، فَعَلَى هَذَا.
قلت لَك مَسْأَلَتَك.
وَأَمَّا قَوْلُك إنَّ الْهِبَةَ لَمْ يَتَخَلَّصْهَا مِنْ الْوَاهِبِ فَهَذَا مَا لَا يَضُرُّهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ هِبَتَهُ وَقَبَضَ مَعَهَا مَالًا هُوَ لِلْوَاهِبِ، فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ أَنْ يَتَخَلَّصَ هِبَتَهُ وَيَرُدَّ مَالَ الْوَاهِبِ إلَى الْوَاهِبِ.
قَالَ: وَأَمَّا اللَّبَنُ، فَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّ الرَّجُلَ إذَا مَنَحَ الرَّجُلَ لَبَنَ غَنَمِهِ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَبَضَ الْغَنَمَ إنَّ قَبْضَهُ لِلْغَنَمِ حِيَازَةٌ لَهُ، أَلَا تَرَى أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَخَدَمَهُ عَبْدَهُ شَهْرًا فَقَبَضَ الْغُلَامَ، فَهُوَ قَابِضٌ لِلْخِدْمَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْكَنَهُ دَارِهِ سَنَةً فَقَبَضَ الدَّارَ، لِقَبْضِهِ الدَّارَ قَبْضٌ لِلسُّكْنَى.

.في الرَّجُلِ يَهَبُ لِرَجُلٍ مَا في بُطُونِ غَنَمِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ مَا في بُطُونِ غَنَمِي أَوْ مَا في بَطْنِ جَارِيَتِي، أَتَجُوزُ الْهِبَةُ؟
قَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: فَكَيْفَ يَكُونُ قَبْضُهُ؟
قَالَ: إنْ حَازَ الْجَارِيَةَ وَأَمْكَنَهُ مِنْهَا حَتَّى تَلِدَ فيأْخُذَ وَلَدَهَا، وَأَمْكَنَهُ مِنْ الْغَنَمِ حَتَّى تَضَعَ فيأْخُذَ أَوْلَادَهَا، فَهَذِهِ حِيَازَةٌ وَقَبْضٌ مِثْلُ النَّخْلِ إذَا وَهَبَ ثَمَرَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، فَحَازَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْحَائِطَ حَتَّى يَحِدَّ ثَمَرَتَهُ وَكَانَ يَسْقِيهِ وَيَقُومُ عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ زَرْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَحَازَ الزَّرْعَ وَكَانَ يَسْقِيهِ وَيَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرْفَعَ زَرْعَهُ فَهَذَا قَبْضٌ، وَكَذَلِكَ مَا سَأَلْت عَنْهُ مِمَّا في بَطْنِ الْجَارِيَةِ وَمَا في بُطُونِ الْحَيَوَانِ.
قُلْت: أَرَأَيْت الَّذِي وَهَبَ الثَّمَرَةَ في رُءُوسِ النَّخْلِ، أَوْ الزَّرْعَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، إنْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ النَّخْلِ وَيَمْنَعَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي فيهَا الزَّرْعُ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَحُوزَ الثَّمَرَةَ وَالسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالزَّرْعُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ يُسْقَى وَيَقُومُ عَلَى زَرْعِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ وَيَكُونُ هَذَا قَبْضًا.
قُلْت: فَالْغَنَمُ وَالْجَارِيَةُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ مَا تَلِدُ جَارِيَتِي عِشْرِينَ سَنَةً، أَتَجُوزُ هَذِهِ الْهِبَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ في الَّذِي يَهَبُ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ لِرَجُلٍ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا حَازَ الْمَوْهُوبُ لَهُ النَّخْلَ، أَوْ جُعِلَتْ لَهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ يَحُوزُ لَهُ فَالْجَارِيَةُ إنْ كَانَ قَبَضَهَا أَوْ حَازَهَا أَوْ جُعِلَتْ لَهُ عَلَى يَدِ مَنْ حَازَهَا لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، مِثْلَ النَّخْلِ وَإِنْ لَمْ يَحُزْهَا حَتَّى يَمُوتَ رَبُّهَا أَوْ تُحَازَ لَهُ فَالْهِبَةُ بَاطِلٌ.
قُلْت: فَالْهِبَةُ في هَذَا وَالصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ وَالنَّخْلُ سَوَاءٌ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ جَائِزٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
إذَا قَبَضَ فَهُوَ جَائِزٌ.

.(في الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ الْجَارِيَةَ وَيُشْهِدُ لَهُ بِالْقَبْضِ):

في الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ الْجَارِيَةَ وَيُشْهِدُ لَهُ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُعَايِنْ الشُّهُودُ الْقَبْضَ فيمُوتُ وَفي يَدِهِ الْجَارِيَةُ:
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي وَهَبْت جَارِيَتِي لِرَجُلٍ وَأَشْهَدْت لَهُ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَهَا مِنِّي وَلَمْ يُعَايِنْ الشُّهُودُ الْقَبْضَ، ثُمَّ مِتُّ وَالْجَارِيَةُ في يَدَيَّ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُوبُ لَهُ قَبَضَ الْجَارِيَةَ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى وَلَدٍ لَهُ كِبَارٍ بِعَبْدٍ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا، وَكَتَبَ في كِتَابِهِ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ وَقَبَضُوهُ.
وَكَانَ الْوَلَدُ كِبَارًا وَقَدْ بَلَغُوا الْحِيَازَةَ وَمِثْلُهُمْ يَحُوزُ، فَهَلَكَ الْأَبُ وَقَدْ كَانَتْ صَدَقَتُهُ في صِحَّتِهِ، فَلَمَّا هَلَكَ الْأَبُ قَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ: لَمْ تَقْبِضُوا وَقَالَ: الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ: قَدْ قَبَضْنَا.
وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ وَإِقْرَارِ الْمُتَصَدِّقِ بِاَلَّذِي في الْكِتَابِ، فَسُئِلَ الشُّهُودُ أَعَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ حَازُوا؟ وَقَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا في هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْإِقْرَارِ، وَلَا نَدْرِي أَحَازُوا أَوْ لَمْ يَحُوزُوا.
فَقَالَ لِي مَالِكٌ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ قَدْ حَازُوا - وَفي صِحَّةٍ مِنْهُ - فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك.

.في الرَّجُلِ يَهَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ عَبْدًا لَهُ وَيُشْهِدُ لَهُمَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْأَجْنَبِيُّ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِابْنِي وَهُوَ صَغِيرٌ وَلِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ عَبْدًا وَأَشْهَدْت لَهُمَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبِضْ الْأَجْنَبِيُّ الْهِبَةَ حَتَّى مِتُّ، أَيَجُوزُ نِصْفُ الْعَبْدِ لِابْنِي أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ حَبْسًا وَأَشْهَدَ لَهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، فَلَمْ يَقْبِضْ الْكِبَارُ الْحَبْسَ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ.
قَالَ مَالِكٌ: الْحَبْسُ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْكِبَارِ وَلَا لِلصِّغَارِ، لِأَنَّ الْكِبَارَ لَمْ يَقْبِضُوا الْحَبْسَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَعْرِفُ إنْفَاذَ الْحَبْسِ لِلصِّغَارِ هَهُنَا إلَّا بِحِيَازَةِ الْكِبَارِ، فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ.
وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُ مِثْلَهُ إذَا حَبَسَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ صِغَارٌ كُلُّهُمْ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ لَهُمْ إذَا مَاتَ، فَالْحَبْسُ لَهُمْ جَائِزٌ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، فَنَصِيبُ الصَّغِيرِ جَائِزٌ وَنَصِيبُ الْكَبِيرِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَإِذَا حَبَسَ فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُقَسَّمُ إذَا كَانَتْ لَهُمْ وَتَصِيرُ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
فَمِنْ هُنَالِكَ تَمَّ لِلصَّغِيرِ مَا يَصِيرُ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ لَهُ جَائِزُ الْقَبْضِ، وَإِنَّ الْحَبْسَ لَوْ أُسْلِمَ إلَى مَنْ يَقْبِضُهُ لَهُمْ أَوْ أُسْلِمَ إلَى الْكَبِيرِ لَمْ تَجُزْ فيهِ الْمُقَاسَمَةُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى في أَيْدِيهِمَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ.
فَمِنْ هُنَالِكَ لَمْ يَتِمَّ قَبْضُ الْأَبِ لِلصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ وَلَا يَجُزْ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ دَاعِيَةً إلَى أَنْ يَحْبِسَ الرَّجُلُ الْحَبْسَ عَلَى الْبَالِغِ، فيكُونُ في يَدَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ يَنْفُذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا نَعْرِفُ، إنْفَاذَ الْحَبْسِ وَلَا قَبْضِهِ إذَا كَانَ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يُقَسَّمَ وَيُجَزَّأُ، فيصِيرُ مَالًا لَهُمْ يَتَوَارَثُونَهُ وَيُبَاعُ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِي الَّذِي حَبَسَهُ وَيَقْبِضَ مِنْهُ وَيَبِينَ.

.في الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ الْأَرْضَ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ أَرْضًا، كَيْفَ الْقَبْضُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الْحِيَازَةُ إذَا حَازَهَا فَقَدْ قَبَضَهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ بِأَرْضٍ لِي بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَأَنَا وَهُوَ بِالْفُسْطَاطِ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ قَبِلْتُ وَقَبَضْتُ، أَيَكُونُ هَذَا قَبْضًا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ قَبْضًا إلَّا بِالْحِيَازَةِ.
وَقَوْلُهُ: قَدْ قَبَضْتُ وَهُوَ بِالْفُسْطَاطِ، لَا يَكُونُ هَذَا قَبْضًا لِأَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْحَبْسِ يَحْبِسُهُ الرَّجُلُ وَيَكْتُبُ في حَبْسِهِ قَدْ قَبَضُوا ذَلِكَ وَيُشْهِدُ الشُّهُودَ عَلَى الْكِتَابِ وَعَلَى قَوْلِهِ فيهْلَك صَاحِبُ الْحَبْسِ فيسْأَلُ الشُّهُودُ هَلْ قَبَضُوا فَقَالُوا: إنَّمَا شَهِدْنَا عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا نَدْرِي هَلْ قَبَضُوا أَوْ لَمْ يَقْبِضُوا.
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يَنْفَعُهُمْ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُمْ قَبَضُوا أَوْ حَازُوا.

.في الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ غَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ دَيْنًا لِي عَلَيْهِ كَيْفَ يَكُونُ قَبْضُهُ؟
قَالَ: إذَا قَالَ قَدْ قَبِلْتُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَهَذَا قَبْضٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَإِذَا قَبِلَ سَقَطَ.
قُلْت: فَإِنْ وَهَبْتُ دَيْنًا لِي عَلَى رَجُلٍ لِرَجُلٍ آخَرَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَشْهَدَ لَهُ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ ذِكْرَ الْحَقِّ فَهَذَا قَبْضٌ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: إذَا أَشْهَدَ لَهُ وَأَحَالَهُ عَلَيْهِ فَهَذَا قَبْضٌ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ غَائِبًا وَوَهَبَ لِلرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى غَرِيمِهِ وَأَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ وَدَفَعَ إلَيْهِ ذِكْرَ الْحَقِّ وَأَحَالَهُ عَلَيْهِ، أَيَكُونُ هَذَا قَبْضًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت الدَّيْنَ إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ بِإِفْرِيقِيَّةَ وَأَنَا بِالْفُسْطَاطِ، فَوَهَبْت دَيْنِي ذَلِكَ الَّذِي لِي بِإِفْرِيقِيَّةَ لِرَجُلٍ مَعِي بِالْفُسْطَاطِ وَأَشْهَدْت لَهُ وَقَبِلَ، أَتَرَى ذَلِكَ جَائِزًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: لِمَ أَجَزْته في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الدُّيُونَ هَكَذَا تُقْبَضُ وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ يُقْبَضُ إنَّمَا هُوَ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَبْضُهُ أَنْ يُشْهِدَ لَهُ وَيَقْبَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ هِبَتَهُ.

.في الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ الرَّجُلَ دَابَّتَهُ أَوْ يُعِيرهُ إيَّاهَا ثُمَّ يَهَبُهَا لِغَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ آجَرْت دَابَّتِي مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ وَهَبْتهَا لِرَجُلٍ آخَرَ أَوْ أَعَرْتهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ وَهَبْتهَا لِرَجُلٍ آخَرَ، فَقَبَضَهَا هَذَا الْمُسْتَعِيرُ أَوْ هَذَا الْمُسْتَأْجِرُ، أَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَتَكُونُ الْهِبَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا انْقَضَى أَجَلُ الْإِجَارَةِ وَأَجَلُ الْعَارِيَّةِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَأَجَلِ الْعَارِيَّةِ، أَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَحَقَّ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ قَبْضٌ لَهُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَخْدُمُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةُ سِنِينَ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ لِفُلَانٍ بَعْدَ خِدْمَةِ فُلَانٍ هِبَةً بَتْلًا وَقَدْ قَبَضَهَا الْمُخْدَمُ.
قَالَ مَالِكٌ: قَبْضُ الْمُخْدَمِ لِلْخَادِمِ قَبْضٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، إنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك في الْعَارِيَّةِ وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا تَكُونُ قَبْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ الْإِجَارَةَ لَهُ مَعَهُ فيكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَأَنَّهَا في يَدَيْ الْوَاهِبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك.
وَأَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْضٍ فَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ تَصَدَّقَ بِهَا تُحْتَازُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، مِنْ كِرَاءٍ يُكْرِيهِ أَوْ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ أَوْ غَلْقٍ يُغْلَقُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ لَوْ شَاءَ أَنْ يَحُوزَهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ حَازَهَا، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا قِفَارًا مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ تُحْتَازُ بِغَلْقٍ وَلَا كِرَاءٍ تَكَرَّاهُ، وَلَمْ يَأْتِ إبَّانَ زَرْعٍ فيزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا بِوَجْهٍ يُعْرَفُ حَتَّى مَاتَ الَّذِي وَهَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَهِيَ لِلَّذِي وُهِبَتْ لَهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فيهِ.
وَكُلُّ مَنْ وَهَبَ دَارًا حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي وُهِبَتْ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرِّطْ في قَبْضِهَا لِأَنَّ لِهَذِهِ حِيَازَةٌ تُحْتَازُ بِهَا.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَإِنْ لَمْ يَحُزْهَا فَهِيَ مَالُ الْوَارِثِ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ قَدْ أَعَمَرْتُك هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَكَ؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: تِلْكَ الْمِنْحَةُ وَهِيَ مُؤَدَّاةٌ إلَى مَنْ اسْتَثْنَى فيهَا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَإِنْ قَالَ: ثُمَّ هُوَ لِفُلَانٍ بَعْدَك، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا قَالَ إذَا كَانَ هِبَةً لِلْآخَرِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَإِنْ قَالَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ بَعْدَك.
قَالَ: يَنْفُذُ مَا قَالَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَطَعَ مِنْ مَالِهِ قَطِيعًا فَسَمَّاهُ لِنَاسٍ، ثُمَّ إذَا انْقَرَضُوا فَهُوَ لِفُلَانٍ جَازَ ذَلِكَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُمْلَكُ حَتَّى يَصِيرَ إلَى آخِرِهِمْ كَمَا سَمَّى لَا يُنْكَرُ هَذَا.
قَالَ اللَّيْثُ: وَسَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: إنْ أَعْمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَجَعَلَهُ مِنْ بَعْدِهِ حُرًّا، ثُمَّ عَجَّلَ هَذَا الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْعَبْدُ عُمْرَهُ عِتْقَهُ، كَانَ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا تَرَكَ لَهُ خِدْمَتَهُ.

.في الرَّجُل يُؤَاجِرُ دَابَّتَهُ ثُمَّ يُعَيِّرُهَا إيَّاهُ ثُمَّ يَهَبُهَا لَهُ وَهُمَا غَائِبَانِ عَنْ مَوْضِع الْعَارِيَّةِ وَالْوَدِيعَة:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اسْتَوْدَعَنِي رَجُلٌ وَدَائِعَ أَوْ آجَرَنِي دُورًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقًا، وَأَعَارَنِي ذَلِكَ وَأَنَا وَهُوَ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَالشَّيْءُ الَّذِي أَعَارَنِي وَاسْتَوْدَعَنِي وَآجَرَنِي بِإِفْرِيقِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا أَنَا وَهُوَ إلَى الْفُسْطَاطِ فَوَهَبَ لِي ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْفُسْطَاطِ فَقَبِلْت ذَلِكَ، أَيَكُونُ قَوْلِي قَدْ قَبِلْت لِذَلِكَ قَبْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ في يَدِي في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَبُولُك قَبْضٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَنِي وَدِيعَةً ثُمَّ وَهَبَهَا لِي فَلَمْ أَقُلْ قَدْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ؟
قَالَ: الْقَوْلُ في هَذَا أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ هِبَتَهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: ذَلِكَ قَبْضٌ إذَا كَانَتْ في يَدَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ كَوْنَهَا في يَدَيْهِ أَحْوَزُ الْحَوْزِ.
قُلْت: أَرَأَيْت النُّحْلَ وَالْعُمْرَى وَالْعَطِيَّةَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْحَبْسَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ في قَوْلِ مَالِكٍ في الْقَبْضِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
هَذَا كُلُّهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ في قَوْلِ مَالِكٍ في الْقَبْضِ.

.الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ يُصَابُ بِهَا الْعَيْبُ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت هِبَةٌ لِلثَّوَابِ وَأَخَذْت الْعِوَضَ فَأَصَابَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْهِبَةِ عَيْبًا، أَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ في عِوَضِهِ وَيَرُدَّ الْهِبَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ. الْهِبَةُ عَلَى الْعِوَضِ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يُصْنَعُ فيهَا وَفي الْعِوَضِ مَا يُصْنَعُ بِالْبَيْعِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ نَعَمْ الْهِبَةُ عَلَى الْعِوَضِ في قَوْلِ مَالِكٍ مِثْلُ الْبُيُوعِ مَحْمَلٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى الْعِوَضِ، إنْ لَمْ يُثِبْهُ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ الْهِبَةُ بِنَمَاءٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَكَانَتْ عَلَى حَالِهَا، فَلِلَّذِي وَهَبَهَا أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ يُثِيبَهُ وَلَا يَلْزَمُ الَّذِي قَبِلَهَا الثَّوَابُ عَلَى مَا يُحِبُّ أَوْ يَكْرَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَمَنٌ لِتِلْكَ الْهِبَةِ، أُجْبِرَ الْوَاهِبُ عَلَى أَخْذِ ذَلِكَ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَثَابَهُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِلْهِبَةِ بِثَمَنٍ، ثُمَّ قَامَ صَاحِبُ الْهِبَةِ يَطْلُبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَبِلَ ذَلِكَ إلَّا انْتِظَارًا لِتَمَامِ ثَوَابِ الْهِبَةِ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ تَمَامَ الثَّوَابِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رَدَّ الْهِبَةَ وَأَخَذَ عِوَضَهُ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالشُّفْعَةُ كَذَلِكَ إذَا وَهَبَ رَجُلٌ لِلثَّوَابِ شِقْصًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا أَبَدًا إنْ كَانَ وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ حَتَّى يُثَابَ مِنْ هِبَتِهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُثِيبَهُ أَخَذَ الْوَاهِبُ دَارِهِ وَلَمْ تَكُنْ فيهَا شُفْعَةٌ لِأَحَدٍ.
قُلْت: فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرْجِعَ في هِبَتِي؟
قَالَ: نَعَمْ. إلَّا أَنْ يُعَوِّضَك عِوَضًا آخَرَ، يَكُونُ قِيمَةُ الْهِبَةِ أَوْ أَكْثَرُ مَكَانَ الْعِوَضِ الَّذِي اسْتَحَقَّ، فَلَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ في الْهِبَةِ إنْ أَعْطَاك عِوَضًا مَكَانَ الْعِوَضِ الَّذِي اسْتَحَقَّ.
قُلْت: فَإِنْ عَوَّضَنِي مِنْهَا عِوَضًا ضِعْفَ قِيمَةِ الْهِبَةِ.
ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فَأَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ في هِبَتِي فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: أَنَا أُعْطِيك قِيمَةَ الْهِبَةِ عِوَضًا مِنْ هِبَتِك.
وَقُلْت: لَا أَرْضَى إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي قِيمَةَ الْعِوَضِ، وَقِيمَةُ الْعِوَضِ الَّذِي اسْتَحَقَّ ضِعْفُ قِيمَةِ الْهِبَةِ؟
قَالَ: لَا أَرَى لَك إلَّا قِيمَةَ الْهِبَةِ، لِأَنَّ الَّذِي زَادَك أَوَّلًا في عِوَضِهِ عَلَى قِيمَةِ هِبَتِك إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا مِنْهُ تَطَاوَلَ بِهِ عَلَيْك، فَلَمَّا اسْتَحَقَّ لَمْ يَكُنْ لَك عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةُ هِبَتِك.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَصَدَّقْت بِصَدَقَةٍ لِلثَّوَابِ، أَيَبْطُلُ الثَّوَابُ وَتَجُوزُ الصَّدَقَةُ أَوْ يَجْعَلُهَا مَالِكٌ هِبَةً؟
قَالَ: أَجْعَلُهَا هِبَةً إنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الثَّوَابِ.
قُلْت: فَإِنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ دَيْنًا لِي عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى رَجَعَ الْوَاهِبُ في ذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَهَبَ دَيْنَهُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ في ذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَيَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ.

.في الرَّجُلِ يَهَبُ لِرَجُلَيْنِ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت أَرْضًا لِرَجُلَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ، أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، فَقَبَضَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الْأَرْضِ، أَيَكُونُ قَبْضُ الْحَاضِرِ قَبْضًا لِلْغَائِبِ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ الْغَائِبُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْغَائِبُ بِالْهِبَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ قَبْضُ الْحَاضِرِ قَبْضٌ لِلْغَائِبِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ هِبَةً وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَمَرْت رَجُلًا أَنْ يَقْبِضَهَا لِلْغَائِبِ، أَيَكُونُ هَذَا قَبْضًا لِلْغَائِبِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى غَائِبٍ فَأَخْرَجَهَا فَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ لِذَلِكَ الْغَائِبِ، فَحَازَهَا هَذَا الَّذِي جُعِلَتْ عَلَى يَدَيْهِ لِذَلِكَ الْغَائِبِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَحِيَازَةُ هَذَا حِيَازَةٌ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَيَدُلُّك عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ مَا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ في تَحَاوُزِ الْأَحْبَاسِ، أَنَّ قَابِضَ الْأَحْبَاسِ يَجُوزُ قَبْضُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ الْبَالِغِ الْمَالِكِ لِأَمْرِهِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ مِنْ وَلَدِ الْوَالِدِ مِمَّا يَحْدُثُ وَيُولَدُ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْعَبِيدَ وَالْحَيَوَانَ وَالْعُرُوضَ وَالْحُلِيَّ، كَيْفَ يَكُونُ قَبْضُهُ؟
قَالَ: بِالْحِيَازَةِ.

.في حَوْزِ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ وَالْكَبِيرِ:

قُلْت: أَرَأَيْت الطِّفْلَ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَأَوْصَى، فَوَهَبَ لَهُ رَجُلٌ هِبَةً بَتَلَهَا لَهُ وَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ النَّاسِ، أَيَكُونُ هَذَا حَوْزًا لِلصَّبِيِّ وَوَالِدُهُ حَاضِرٌ أَوْ وَصِيُّهُ؟
قَالَ: نَعَمْ. أَرَاهُ حَوْزًا لَهُ إذَا كَانَ إنَّمَا وَضَعَهُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ وَتُرْضَى حَالُهُ وَأَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ.
وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا بَلَغَ.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ لَهُ وَالِدٌ وَبَيْنَ الْكَبِيرِ إذَا وُهِبَتْ لَهُ الْهِبَةُ وَجَعَلَهَا الْوَاهِبُ عَلَى يَدَيْ هَذَا الرَّجُلِ؟
قَالَ: خَوْفًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَالِدُ أَوْ يُفْسِدَهَا، فيجُوزُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ فيقْبِضَهَا.
وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْمَرَضِيُّ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَازَهَا هَذَا لَهُ أَوْ إلَى أَيِّ أَجَلٍ يَدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ يَجْرِي عَلَيْهَا غَلَّتُهَا، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَهَبُ الْهِبَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْهِبَةُ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَالْأَبُ في ابْنِهِ إذَا اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ سَفيهًا، فيشْتَرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا دَامَ الْوَلَدُ في تِلْكَ الْحَالِ.
فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ إنْ كَبِرَ، أَوْ اشْتَرَطَ عَلَى السَّفيهِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَإِنْ حَسُنَتْ حَالُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ شَرْطُهُ إذَا اشْتَرَطَهُ مَا دَامَ سَفيهًا أَوْ صَغِيرًا. سَحْنُونٌ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَهَبُ الْهِبَةَ لِلرَّجُلِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا، فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّيْثَ كَرِهَهَا أَيْضًا مَعَ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا فَسَّرَ لِي التَّفْسِيرَ الَّذِي فَسَّرْت لَك.
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ لِلْكَبِيرِ إذَا جَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَرْضِيٌّ وَلَمْ يَحْبِسْهَا عَنْهُ لِسُوءِ حَالِهِ وَلَا لِغَلَّةٍ أَجْرَاهَا عَلَيْهِ وَحَبَسَ الْأَصْلَ.
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ حَوْزَ هَذَا الَّذِي جُعِلَتْ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِحَوْزٍ لَهُ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ قَالَ: كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالسَّفيهَ لَهُمَا وَقْتٌ يَقْبِضَانِ الْهِبَةَ، وَهُوَ الْبُلُوغُ في الصَّغِيرِ مَعَ حُسْنِ الْحَالِ، وَحُسْنُ الْحَالِ في السَّفيهِ.
وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنْ الصَّدَقَةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ يَدِ الْمُعْطِي إلَى غَيْرِهِ، فيكُونُ الَّذِي صَارَتْ إلَيْهِ قَابِضًا لَهَا كَمَا تُقْبَضُ الْحَبْسُ، يَقْبِضُ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتِ مِمَّنْ هُوَ آتٍ، وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْبَالِغَ الَّذِي قَدْ أَعْطَى عَطِيَّةً تَكُونُ لَهُ مَالًا تُرَاثًا، مُنِعَ مِنْ قَبْضِهَا لِغَيْرِ شَيْءٍ عُقِدَ فيهَا مِمَّا مِثْلُهُ يُعْقَدُ في الصَّدَقَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَبْتِلَهَا لَهُ وَيُعْطِيَهُ إيَّاهَا.

.في حَوْزِ الْأُمِّ فيمَا لَوْ وَهَبْت لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ هِبَةً وَهُمْ في حِجْرِهَا:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ الْأُمَّ وَهَبْت لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ هِبَةً وَهُمْ في حِجْرِهَا، وَأَشْهَدَتْ لَهُمْ، أَهِيَ في الْحِيَازَةِ مِثْلُ الْأَبِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ حَائِزَةً لَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً لَهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً لِلْوَالِدِ أَوْ وَصِيَّةَ وَصِيِّ الْوَالِدِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؟
قَالَ: نَعَمْ. لِأَنَّ وَصِيَّ الْوَصِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، قُلْت: فَالْأُمُّ تَكُونُ حَائِزَةً صَدَقَتَهَا أَوْ هِبَتَهَا عَلَى وَلَدِهَا الصِّغَارِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً وَقَدْ أَخْبَرْتُك بِذَلِكَ، قُلْت: أَرَأَيْت الْجَارِيَةَ إذَا حَاضَتْ وَلَيْسَ لَهَا وَالِدٌ، وَوَهَبَتْ لَهَا أُمُّهَا هِبَةً وَالْأُمُّ وَصِيَّتُهَا وَهِيَ في حِجْرِ أُمِّهَا، أَتَكُونُ الْأُمُّ حَائِزَةً لَهَا هِبَتَهَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ أَفْعَالَهَا لَا تَجُوزُ في هِبَتِهَا وَصَدَقَتِهَا حَتَّى يَبْرُزَ وَجْهُهَا وَيُؤْنَسَ مِنْهَا الرُّشْدُ، وَهِيَ فيمَا يُقْبَضُ لَهَا كَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ في صَدْرِ الْكِتَابِ مَا قَالُوا.

.في حَوْزِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِير:

قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ في الْأَبِ إنَّهُ يَحُوزُ لِابْنَتِهِ وَإِنْ طَمَثَتْ إذَا تَصَدَّقَ هُوَ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ فَهُوَ الْحَائِزُ لَهَا.
قُلْت: فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَمْ تَقْبِضْ صَدَقَتَهَا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ، أَيَبْطُلُ ذَلِكَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ حَسُنَتْ حَالُهَا في بَيْتِ زَوْجِهَا وَجَازَ أَمْرُهَا فَلَمْ تَقْبِضْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ، فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِحَالِ سَفَهٍ جَازَ ذَلِكَ لَهَا، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: الْأَبُ يَحُوزُ لِابْنِهِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ سَفيهًا، سَحْنُونٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ] وَبُلُوغُ النِّكَاحِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ.
فَقَدْ مَنَعَهُمْ اللَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَعَ الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إلَّا بِالرُّشْدِ، فَكَيْفَ مَعَ الْآبَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَمْلَكُ بِهِمْ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ وَإِنَّمَا الْأَوْصِيَاءُ بِسَبَبِ الْآبَاءِ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهُ يَتِيمٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ سَفيهًا.
وَقَالَ شُرَيْحٌ: الْيَتِيمَةُ تُسْتَشَارُ في نَفْسِهَا وَلَا تُسْتَشَارُ في نَفْسِهَا إلَّا بَالِغٌ، وَقَدْ سَمَّاهَا شُرَيْحٌ يَتِيمَةً وَهِيَ بَالِغٌ، وَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَفَى بِقَوْلِهِ حُجَّةً مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَتِيمَةُ تُسْتَشَارُ في نَفْسِهَا».
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ سَفيهَةً في عَقْلِهَا أَوْ في مَالِهَا وَقَدْ طَمَثَتْ وَدَخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ لَمْ تَطْمِثْ وَدَخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ قَدْ كَانَتْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَتَصَدَّقَ الْأَبُ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ وَأَشْهَدَ لَهَا وَهِيَ في بَيْتِ زَوْجِهَا، أَيَكُونُ الْأَبُ هُوَ الْحَائِزُ لَهَا صَدَقَتَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ: الْأَبُ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ صَدَقَةَ نَفْسِهِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ سَفيهًا، فَهَذِهِ عِنْدِي وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَإِنَّ الْأَبَ تَجُوزُ حِيَازَتُهُ صَدَقَةَ نَفْسِهَا عَلَيْهَا في قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَقْطَعُ حِيَازَةَ الْأَبِ عَنْهَا إذَا تَصَدَّقَ الْأَبُ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ إذَا كَانَ الْأَبُ حَائِزًا صَدَقَتَهُ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَحُوزُ لِنَفْسِهَا، فَإِذَا صَارَتْ في حَالٍ تَحُوزُ لِنَفْسِهَا فَلَا تَجُوزُ حِيَازَةُ الْأَبِ عَلَيْهَا صَدَقَةَ نَفْسِهِ، وَهِيَ مَا دَامَتْ في بَيْتِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَرْضِيَّة، فَالْأَبُ يَحُوزُ لَهَا صَدَقَةَ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إذَا دَخَلَتْ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَأُنِسَ مِنْهَا الرُّشْدُ فَهَهُنَا تَنْقَطِعُ حِيَازَةُ الْأَبِ صَدَقَةَ نَفْسِهِ عَلَيْهَا لَهَا، فَلَا تَحُوزُ حَتَّى تَقْبِضَ.
قُلْت: فَإِنْ وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ - وَهُمْ صِغَارٌ - ثُمَّ أَشْهَدَ لَهُمْ، أَهُوَ الْحَائِزُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ بَلَغُوا فَلَمْ يَقْبِضُوا حِينَ بَلَغُوا هِبَتَهُمْ أَوْ صَدَقَتَهُمْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ، أَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ وَتَكْفيهِمْ حِيَازَةُ الْأَبِ لَهُمْ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا بَلَغُوا وَأُنِسَ مِنْهُمْ الرُّشْدُ فَلَمْ يَقْبِضُوا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.
قَالَ: وَمَا دَامُوا في حَالِ السَّفَهِ وَإِنْ بَلَغُوا فَحَوْزُ أَبِيهِمْ لَهُمْ حَوْزٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: لِأَنَّ السَّفيهَ وَإِنْ احْتَلَمَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ، يَحُوزُ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ.

.في حَوْزِ الْأَبِ مَالًا لِابْنِهِ الْعَبْدِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ ابْنِي عَبْدًا لِرَجُلٍ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَوَهَبْت لَهُ هِبَةً وَأَشْهَدْت لَهُ، أَتَكُونُ حِيَازَتِي لَهُ حِيَازَةً أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَهُ مَنْ يَحُوزُ لَهُ دُونَك، لِأَنَّ سَيِّدَهُ يَحُوزُ لَهُ مَالَهُ دُونَ وَالِدِهِ، وَلِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ في رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى صَغِيرٍ بِصَدَقَةٍ: إنَّ حِيَازَتَهُ لَيْسَتْ بِحِيَازَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا أَوْ وَاحِدًا يَحُوزُ لَهُ، وَلَا تَكُونُ صَدَقَةً مَقْبُوضَةً إلَّا أَنْ تَزُولَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا إلَّا وَالِدٍ أَوْ وَصِيٍّ لِمَنْ يَلِي.
قُلْت: فَإِنْ أَخْرَجَ الْهِبَةَ وَالِدُ الصَّبِيِّ الْعَبْدِ إلَى رَجُلٍ غَيْرِ مَوْلَى الصَّبِيِّ فَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْهِ يَحُوزُهَا لِلصَّبِيِّ، أَتَجُوزُ الْهِبَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَضِيَ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ أَوْ لَمْ يَرْضَ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَائِبٍ فَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يَحُوزُهَا لَهُ، فَحَوْزُهُ لَهَا حِيَازَةٌ لِهَذَا الْغَائِبِ.
وَكُلُّ مَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى كِبَارٍ أَوْ صِغَارٍ أَوْ وَهَبَ هِبَةً لِغَائِبٍ إذَا كَانَ كَبِيرًا، أَوْ وَهَبَ هِبَةً لِصَغِيرٍ وَلَيْسَ هُوَ وَالِدَهُ وَلَا وَصِيَّهُ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّغِيرُ فيعْطِيَهُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ، أَوْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ فيأْخُذَهُ، أَوْ كِبَارٍ حُضُورٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ غَلَّةُ الْحَبْسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدِي فيمَا حَمَلْتُ عَنْ مَالِكٍ.
فَأَمَّا أَنْ يَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً وَالْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرٌ مَرْضِيٌّ لَيْسَ بِسَفيهٍ وَلَا صَغِيرٍ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَلَا أَرَى هَذِهِ حِيَازَةً، لِأَنَّهُ قَدْ قَبِلَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرٌ مَرْضِيٌّ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ، إنَّمَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا إذَا كَانَ قَدْ حَبَسَ الْأَصْلَ وَجَعَلَ الْغَلَّةَ لَهُ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا مَنْ يُجْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ.